فصل: القراءات والوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{عرف} بالتخفيف: عليّ {تظاهرا} عاصم وحمزة وعلي وخلف. {أن يبدله} بالتشديد: أبو جعفر ونافع وأبو عمرو {نصوحا} بضم النون: يحيى وحماد {وكتبه} على الجمع: أبو عمرو وسهل ويعقوب وحفص.

.الوقوف:

{لك} ج لاحتمال أن الجملة بعده حال أو استفهامية بحذف الحرف وهذا أحسن، لأن تحريم الحلال بغير ابتغاء مرضاتهن أيضا غير جائز {أزواجك} ط {رحيم} o {أيمانكم} ج لعطف الجملتين المختلفتين {مولاكم} ط للابتداء بذكر ما لم يزل من الوصفين مع اتفاق الجملتين {الحكيم} o {حديثا} ج {عن بعض} ج {هذا} ط {الخبير} o {قلوبكما} ج {المؤمنين} o لتناهي الشرط إلى الإخبار {ظهير} o {وأبكارا} o {ما يؤمرون} o {اليوم} ط {تعملون} o {نصوحا} ط {الأنهار} لا بناء على أن الظرف يتعلق بقوله: {ويدخلكم} وج لاحتمال أن {يوم} متعلق بقوله: {يسعى} بعد {واغفر لنا} ج للابتداء بأن مع احتمال اللام {قدير} o {عليهم} o {جهنم} ط {المصير} o {لوط} ط لابتداء الحكاية {الداخلين} o {فرعون} ج لئلا يتوهم أن الظرف متعلق بـ: {ضرب} بل التقدير (اذكروا) {الظالمين} o لأن ما بعده معطوف على {امرأة فرعون} {القانتين} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{يا أيُّها النّبِيُّ لِم تُحرِّمُ ما أحلّ الله لك تبْتغِي مرْضات أزْواجِك}
أما التعلق بما قبلها، فذلك لاشتراكهما في الأحكام المخصوصة بالنساء، واشتراك الخطاب بالطلاق في أول تلك السورة مع الخطاب بالتحريم في أول هذه السورة لما كان الطلاق في الأكثر من الصور أو في الكل كما هو مذهب البعض مشتملا على تحريم ما أحل الله، وأما الأول بالآخر، فلأن المذكور في آخر تلك السورة، يدل على عظمة حضرة الله تعالى، كما أنه يدل على كمال قدرته وكمال علمه، لما كان خلق السموات والأرض وما فيهما من الغرائب والعجائب مفتقرأ إليهما وعظمة الحضرة مما ينافي القدرة على تحريم ما أحل الله، ولهذا قال تعالى: {لِم تُحرّمُ ما أحلّ الله لك} واختلفوا في الذي حرمه النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه، قال في (الكشاف): روي أنه عليه الصلاة والسلام خلا بمارية في يوم عائشة وعلمت بذلك حفصة، فقال لها: «اكتمي علي وقد حرمت مارية على نفسي وأبشرك أن أبا بكر وعمر يملكان بعدي أمر أمتي»، فأخبرت به عائشة، وكانتا متصادقتين، وقيل: خلا بها في يوم حفصة، فأرضاها بذلك واستكتمها، فلم تكتم فطلقها واعتزل نساءه، ومكث تسعا وعشرين ليلة في بيت مارية، وروي أن عمر قال لها لو كان في آل الخطاب خير لما طلقك، فنزل جبريل عليه السلام، وقال: راجعها فإنها صوامة قوامة وإنها من نسائك في الجنة، وروي أنه ما طلقها وإنما نوه بطلاقها، وروي أنه عليه الصلاة والسلام شرب عسلا في بيت زينب بنت جحش فتواطأت عائشة وحفصة، فقالتا له: إنا نشم منك ريح المغافير، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره التفل فحرم العسل، فمعناه: لم تحرم ما أحل الله لك من ملك اليمين أو من العسل، والأول قول الحسن ومجاهد وقتادة والشعبي ومسروق ورواية ثابت عن أنس قال مسروق: حرم النبي صلى الله عليه وسلم أم ولده وحلف أن لا يقربها فأنزل الله تعالى هذه الآية فقيل له: أما الحرام فحلال، وأما اليمين التي حلفت عليها، فقد فرض الله لكم تحلة أيمانكم.
وقال الشعبي: كان مع الحرام يمين فعوتب في الحرام، وإنما يكفر اليمين، فذلك قوله تعالى: {قدْ فرض الله} الآية قال صاحب (النظم) قوله: {لِم تُحرّمُ} استفهام بمعنى الإنكار والإنكار من الله تعالى نهي، وتحريم الحلال مكروه، والحلال لا يحرم إلا بتحريم الله تعالى وقوله تعالى: {تبْتغِي مرْضات أزواجك} و{تبْتغِي} حال خرجت مخرج المضارع والمعنى: لم تحرم مبتغيا مرضات أزواجك قال في (الكشاف): {تبْتغِي}، إما تفسير لتحرم، أو حال أو استئناف، وهذا زلة منه، لأنه ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله {والله غفُورٌ رّحِيمٌ} قد غفر لك ما تقدم من الزلة، {رّحِيمٌ} قد رحمك لم يؤاخذك به.
ثم في الآية مباحث:
البحث الأول:
{لِم تُحرّمُ ما أحلّ الله لك} يوهم أن هذا الخطاب بطريق العتاب وخطاب الوصف، وهو النبي ينافي ذلك لما فيه من التشريف والتعظيم فكيف هو نقول: الظاهر أن هذا الخطاب ليس بطريق العتاب بل بطريق التنبيه على أن ما صدر منه لم يكن كما ينبغي.
البحث الثاني:
تحريم ما أحل الله تعالى غير ممكن، لما أن الإحلال ترجيح جانب الحل والتحريم ترجيح جانب الحرمة، ولا مجال للاجتماع بين الترجيحين فكيف يقال: {لِم تُحرّمُ ما أحلّ الله}؟ نقول: المراد من هذا التحريم هو الامتناع عن الانتفاع بالأزواج لا اعتقاد كونه حراما بعدما أحل الله تعالى فالنبي صلى الله عليه وسلم امتنع عن الانتفاع معها مع اعتقاده بكونه حلالا ومن اعتقد أن هذا التحريم هو تحريم ما أحله الله تعالى بعينه فقد كفر فكيف يضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مثل هذا.
البحث الثالث:
إذا قيل: ما حكم تحريم الحلال؟ نقول: اختلفت الأئمة فيه فأبو حنيفة يراه يمينا في كل شيء، ويعتبر الانتفاع المقصود فيما يحرمه فإذا حرم طعاما فقد حلف على أكله أو أمة فعلى وطئها أو زوجة فعلى الإيلاء منها إذا لم يكن له نية وإن نوى الظهار فظهار، وإن نوى الطلاق فطلاق بائن وكذلك إن نوى اثنتين، وإن نوى ثلاثا فكما نوى، فإن قال: نويت الكذب دين فيما بينه وبين ربه ولا يدين في القضاء بإبطال الإيلاء، وإن قال: كل حلال عليه حرام فعلى الطعام والشراب إذا لم ينو وإلا فعلى ما نوى ولا يراه الشافعي يمينا، ولكن سببا (في الكفارة) في النساء وحدهن، وإن نوى الطلاق فهو رجعي عنده، وأما اختلاف الصحابة فيه فكما هو في (الكشاف)، فلا حاجة بنا إلى ذكر ذلك.
{قدْ فرض الله لكُمْ}.
قال مقاتل: قد بين الله، كما في قوله تعالى: {سُورةٌ أنزلناها وفرضناها} [النور: 1] وقال الباقون: قد أوجب، قال صاحب (النظم): إذا وصل بعلى لم يحتمل غير الإيجاب كما في قوله تعالى: {قدْ علِمْنا ما فرضْنا عليْهِمْ} [الأحزاب: 50] وإذا وصل باللام احتمل الوجهين، وقوله تعالى: {تحِلّة أيمانكم} أي تحليلها بالكفارة وتحلة على وزن تفعلة وأصله تحللة وتحلة القسم على وجهين أحدهما: تحليله بالكفارة كالذي في هذه الآية وثانيهما: أن يستعمل بمعنى الشيء القليل، وهذا هو الأكثر كما روي في الحديث: «لن يلج النار إلا تحلة القسم» يعني زمانا يسيرا، وقرئ {كفارة أيمانكم}، ونقل جماعة من المفسرين أن النبي صلى الله عليه وسلم حلف أن لا يطأ جاريته فذكر الله له ما أوجب من كفارة اليمين، روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن الحرام يمين، يعني إذا قال: أنت علي حرام ولم ينو طلاقا ولا ظهارا كان هذا اللفظ موجبا لكفارة يمين {والله مولاكم}، أي وليكم وناصركم وهو العليم بخلقه الحكيم فيما فرض من حكمه، وقوله تعالى: {وإِذ أسرّ النبي إلى بعْضِ أزواجه حديثا} يعني ما أسر إلى حفصة من تحريم الجارية على نفسه واستكتمها ذلك وقيل لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم الغيرة في وجه حفصة أراد أن يترضاها فأسر إليها بشيئين تحريم الأمة على نفسه والبشارة بأن الخلافة بعده في أبي بكر وأبيها عمر، قاله ابن عباس وقوله: {فلمّا نبّأتْ بِهِ} أي أخبرت به عائشة وأظهره الله عليه أطلع نبيه على قول حفصة لعائشة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم حفصة عند ذلك ببعض ما قالت وهو قوله تعالى: {عرّف بعْضهُ} حفصة: {وأعْرض عن بعْضٍ} لم يخبرها أنك أخبرت عائشة على وجه التكرم والإغضاء، والذي أعرض عنه ذكر خلافة أبي بكر وعمر، وقرئ {عرف} مخففا أي جازى عليه من قولك للمسيء لأعرفن لك ذلك وقد عرفت ما صنعت قال تعالى: {أُولئِك الذين يعْلمُ الله ما فِي قُلُوبِهِمْ} [النساء: 63] أي يجازيهم وهو يعلم ما في قلوب الخلق أجمعين وقوله تعالى: {فلمّا نبّأها بِهِ قالتْ} حفصة: {منْ أنبأك هذا قال نبّأنِي العليم الخبير} وصفه بكون خبيرا بعد ما وصفه بكونه عليما لما أن في الخبير من المبالغة ما ليس في العليم.
وفي الآية مباحث:
البحث الأول:
كيف يناسب قوله: {قدْ فرض الله لكُمْ تحِلّة أيمانكم} إلى قوله: {لِم تُحرّمُ ما أحلّ الله لك} [التحريم: 1]؟ نقول: يناسبه لما كان تحريم المرأة يمينا حتى إذا قال لامرأته: أنت علي حرام فهو يمين ويصير موليا بذكره من بعد ويكفر.
البحث الثاني:
ظاهر قوله تعالى: {قدْ فرض الله لكُمْ تحِلّة أيمانكم} إنه كانت منه يمين فهل كفر النبي عليه الصلاة والسلام لذلك؟ نقول: عن الحسن أنه لم يكفر لأنه كان مغفورا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وإنما هو تعليم للمؤمنين، وعن مقاتل أنه أعتق رقبة في تحريم مارية. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يا أيها النبي لِم تُحرِّمُ مآ أحلّ الله لك} فيه خمس مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {يا أيها النبي لِم تُحرِّمُ مآ أحلّ الله لك} ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم، كان يمكث عند زينب بنت جحْش فيشرب عندها عسلا؛ قالت: فتواطأتُ أنا وحفصة أنّ أيّتنا ما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلتقل: إني أجد منك رِيح مغافِير! أكلْت مغافِير؟ فدخل على إحداهما فقالت له ذلك. فقال: بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له» فنزل: {لِم تُحرِّمُ مآ أحلّ الله لك} إلى قوله: {إِن تتُوبآ} (لعائشة وحفصة)، {وإِذ أسرّ النبي إلى بعْضِ أزْواجِهِ حديثا} لقوله: «بل شربتُ عسلا».
وعنها أيضا قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلْواء والعسل، فكان إذا صلّى العصر دار على نسائه فيدْنُو منهنّ؛ فدخل على حفصة فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبِس؛ فسألتُ عن ذلك فقيل لي: أهدت لها امرأةٌ من قومها عُكّة من عسل، فسقت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شرْبة.
فقلت: أما والله لنحْتالنّ له، فذكرت ذلك لسوْدة وقلت: إذا دخل عليكِ فإنه سيدْنُو منكِ فقولي له: يا رسول الله، أكلْت مغافِير؟ فإنه سيقول لكِ لا.
فقولي له: ما هذه الريح؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتدّ عليه أن يوجد منه الريح فإنه سيقول لكِ سقتْني حفْصةُ شربة عسلٍ.
فقولي له: جرستْ نحلُه العُرْفُط.
وسأقول ذلك له، وقوليه أنتِ يا صفِيّة.
فلما دخل على سوْدة قالت: تقول سوْدة والله الذي لا إله إلا هو لقد كِدْتُ أن أبادِئه بالذي قلتِ لي، وإنه لعلى الباب، فرقا منك.
فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله، أكلْت مغافِير؟ قال: لا قالت: فما هذه الريح؟ قال: سقتني حفْصةُ شرْبة عسلٍ. قالت: جرستْ نحْلُه الْعُرْفُط.
فلما دخل عليّ قلت له مثل ذلك.
ثم دخل على صفِيّة فقالت بمثل ذلك.
فلما دخل على حفْصة قالت: يا رسول الله، ألا أسقيك منه.
قال لا حاجة لي به. قالت: تقول سوْدة سبحان الله! والله لقد حرمناه.
قالت: قلت لها اسكتي»
ففي هذه الرواية أن التي شرب عندها العسل حفصة.
وفي الأولى زينب.
وروى ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه شربه عند سودة.
وقد قيل: إنما هي أمّ سلمة؛ رواه أسباط عن السّديّ.
وقاله عطاء بن أبي مسلم.
ابن العربي: وهذا كله جهل أو تصوّر بغير علم.
فقال باقي نسائه حسدا وغيْرة لمن شرب ذلك عندها: إنا لنجد منك ريح المغافير.
والمغافير: بقلة أو صمغة متغيرة الرائحة، فيها حلاوة.
واحدها مغْفُور، وجرست: أكلت.
والعُرْفُطُ: نبت له ريح كريح الخمر.
وكان عليه السلام يعجِبه أن يوجد منه الريح الطيبة أو يجدها، ويكره الريح الخبيثة لمناجاة الملك.
فهذا قول.
وقول آخر أنه أراد بذلك المرأة التي وهبت نفسها للنبيّ صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها لأجل أزواجه؛ قاله ابن عباس وعِكرمة.
والمرأة أمّ شريك.
وقول ثالث إن التي حرم مارية القبطية، وكان قد أهداها له المُقوْقِس ملك الإسكندرية.
قال ابن إسحاق: هي من كُورة أنْصِنا من بلد يقال له حفْن فواقعها في بيت حفصة.
روى الدّارقُطنيّ عن ابن عباس عن عمر قال: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمّ ولده مارية في بيت حفصة، فوجدته حفصة معها وكانت حفصة غابت إلى بيت أبيها فقالت له: تُدخلها بيتي! ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلا من هوانِي عليك. فقال لها: لا تذْكُرِي هذا لعائشة فهي عليّ حرام إن قرُبْتُها. قالت حفصة: وكيف تحرّم عليك وهي جاريتك؟ فحلف لها ألا يقْربها.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تذكريه لأحد.
فذكرته لعائشة، فآلى لا يدخل على نسائه شهرا، فاعتزلهنّ تسعا وعشرين ليلة؛ فأنزل الله عز وجل: {لِم تُحرِّمُ مآ أحلّ الله لك} الآية»
.
الثانية: أصحّ هذه الأقوال أوّلها.
وأضعفها أوسطها.
قال ابن العربيّ: أما ضعفه في السند فلعدم عدالة رواته، وأما ضعفه في معناه فلأن ردّ النبيّ صلى الله عليه وسلم للموهوبة ليس تحريما لها؛ لأن من ردّ ما وُهب له لم يحْرُم عليه، إنما حقيقة التحريم بعد التحليل.
وأما من روى أنه حرّم مارية القبطية فهو أمثل في السند وأقرب إلى المعنى؛ لكنه لم يدوّن في الصحيح. وروي مرسلا.
وقد روى ابن وهب عن مالك عن زيد بن أسلم قال: «حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّ إبراهيم فقال: أنت عليّ حرام والله لا آتينّك. فأنزل الله عز وجل في ذلك: {يا أيها النبي لِم تُحرِّمُ مآ أحلّ الله لك}».
وروى مثله ابن القاسم عنه.
وروى أشهب عن مالك قال: راجعتْ عمر امرأةٌ من الأنصار في شيء فاقشعرّ من ذلك وقال: ما كان النساء هكذا! قالت: بلى، وقد كان أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم يراجعنه.
فأخذ ثوبه فخرج إلى حفْصة فقال لها: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، ولو أعلم أنك تكره ما فعلت.
فلما بلغ عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هجر نساءه قال: رغِم أنْفُ حفصة.
وإنما الصحيح أنه كان في العسل وأنه شربه عند زينب، وتظاهرت عليه عائشة وحفصة فيه، فجرى ما جرى فحلف ألا يشربه وأسرّ ذلك.
ونزلت الآية في الجميع.
الثالثة: قوله تعالى: {لِم تُحرِّمُ} إن كان النبيّ صلى الله عليه وسلم حرّم ولم يحلف فليس ذلك بيمين عندنا.
ولا يحرّم قول الرجل: هذا عليّ حرام. شيئا حاشا الزوجة.
وقال أبو حنيفة: إذا أطلق حمِل على المأكول والمشروب دون الملبوس، وكانت يمينا توجب الكفارة.
وقال زُفر: هو يمين في الكل حتى في الحركة والكون.
وعوّل المخالف على أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حرّم العسل فلزمته الكفارة.
وقد قال الله تعالى: {قدْ فرض الله لكُمْ تحِلّة أيْمانِكُمْ} فسماه يمينا.
ودليلُنا قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنُواْ لا تُحرِّمُواْ طيِّباتِ مآ أحلّ الله لكُمْ ولا تعتدوا} [المائدة: 87]، وقوله تعالى: {قُلْ أرأيْتُمْ مّآ أنزل الله لكُمْ مِّن رِّزْقٍ فجعلْتُمْ مِّنْهُ حراما وحلالا قُلْ ءآلله أذِن لكُمْ أمْ على الله تفْترُون} [يونس: 59].
فذمّ الله المحرِّم للحلال ولم يوجب عليه كفارة.
قال الزجاج: ليس لأحد أن يحرّم ما أحلّ الله.
ولم يجعل لنبيّه صلى الله عليه وسلم أن يحرّم إلا ما حرّم الله عليه.
فمن قال لزوجته أو أمتِه: أنتِ عليّ حرام؛ ولم ينْوِ طلاقا ولا ظِهارا فهذا اللفظ يوجب كفارة اليمين.
ولو خاطب بهذا اللفظ جمعا من الزوجات والإماء فعليه كفارة واحدة.
ولو حرّم على نفسه طعاما أو شيئا آخر لم يلزمه بذلك كفارة عند الشافعيّ ومالك.
وتجب بذلك كفارة عند ابن مسعود والثّوْرِي وأبي حنيفة.
الرابعة: واختلف العلماء في الرجل يقول لزوجته: أنت عليّ حرام. على ثمانية عشر قولا:
أحدها: لا شيء عليه.
وبه قال الشعبيّ ومسروق وربيعة وأبو سلمة وأصْبغ.
وهو عندهم كتحريم الماء والطعام؛ قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنُواْ لا تُحرِّمُواْ طيِّباتِ مآ أحلّ الله لكُمْ} [المائدة: 87] والزوجة من الطيبات ومما أحلّ الله.
وقال تعالى: {ولا تقولواْ لِما تصِفُ ألْسِنتُكُمُ الكذب هذا حلالٌ وهذا حرامٌ} [النحل: 116].
وما لم يحرّمه الله فليس لأحد أن يحرّمه، ولا أن يصير بتحريمه حراما.
ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لما أحلّه الله هو عليّ حرام.
وإنما امتنع من مارية ليمين تقدمت منه وهو قوله: «والله لا أقربها بعد اليوم» فقيل له: لم تحرّم ما أحلّ الله لك؛ أي لم تمتنع منه بسبب اليمين.
يعني اقْدم عليه وكفّر.
وثانيها: أنها يمين يكفرها؛ قاله أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم والأوزاعيّ؛ وهو مقتضى الآية.
قال سعيد بن جُبير عن ابن عباس: إذا حرّم الرجل عليه امرأته فإنما هي يمين يكفرها.
وقال ابن عباس: لقد كان لكم في رسُول الله أُسْوةٌ حسنة؛ يعني أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان حرّم جاريته فقال الله تعالى: {لِم تُحرِّمُ مآ أحلّ الله لك} إلى قوله: {قدْ فرض الله لكُمْ تحِلّة أيْمانِكُمْ} فكفّر عن يمينه وصيّر الحرام يمينا. خرّجه الدّارقُطْنيّ.
وثالثها: أنها تجب فيها كفارة وليست بيمين؛ قاله ابن مسعود وابن عباس أيضا في إحدى روايتيه، والشافعي في أحد قوليه، وفي هذا القول نظر.
والآية تردّه على ما يأتي.
ورابعها: هي ظِهار؛ ففيها كفارة الظِّهار، قاله عثمان وأحمد بن حنبل وإسحاق.
وخامسها: أنه إن نوى الظِّهار وهو ينوي أنها محرّمة كتحريم ظهْر أمّه كان ظِهارا.
وإن نوى تحريم عيْنها عليه بغير طلاق تحريما مطلقا وجبت كفارة يمين.
وإن لم ينو شيئا فعليه كفارة يمين، قاله الشافعيّ.
وسادسها: أنها طلقة رجعية، قاله عمر بن الخطاب والزُّهْرِيّ وعبد العزيز بن أبي سلمة وابن الماجِشُون.
وسابعها: أنها طلقة بائنة، قاله حماد ابن أبي سليمان وزيد بن ثابت.
ورواه ابن خُويْزِمنْداد عن مالك.
وثامنها: أنها ثلاث تطليقات، قاله علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت أيضا وأبو هريرة.
وتاسعها: هي في المدخول بها ثلاث، وينوى في غير المدخول بها، قاله الحسن وعلي ابن زيد والحكم.
وهو مشهور مذهب مالك.
وعاشرها: هي ثلاث؛ ولا ينوي بحال ولا في محل وإن لم يدخل؛ قاله عبد الملك في المبسوط، وبه قال ابن أبي ليْلى.
وحادي عشرها: هي في التي لم يدخل بها واحدة، وفي التي دخل بها ثلاث؛ قاله أبو مصعب ومحمد ابن عبد الحكم.
وثاني عشرها: أنه إن نوى الطلاق أو الظِّهار كان ما نوى.
فإن نوى الطلاق فواحدة بائنة إلا أن ينوي ثلاثا.
فإن نوى ثنتين فواحدة.
فإن لم ينوِ شيئا كانت يمينا وكان الرجل مُولِيا من امرأته؛ قاله أبو حنيفة وأصحابه.
وبمثله قال زُفر؛ إلا أنه قال: إذا نوى اثنتين ألزمناه.
وثالث عشرها: أنه لا تنفعه نِيّة الظِّهار وإنما يكون طلاقا؛ قاله ابن القاسم.
ورابع عشرها: قال يحيى بن عمر: يكون طلاقا؛ فإن ارتجعها لم يجز له وطْؤُها حتى يكفر كفّارة الظِّهار.
وخامس عشرها: إن نوى الطلاق فما أراد من أعداده.
وإن نوى واحدة فهي رجعية.
وهو قول الشافعيّ رضي الله عنه.
وروي مثله عن أبي بكر وعمر وغيرهم من الصحابة والتابعين.
وسادس عشرها: إن نوى ثلاثا فثلاثا، وإن واحدة فواحدة.
وإن نوى يمينا فهي يمين.
وإن لم ينْو شيئا فلا شيء عليه.
وهو قول سفيان.
وبمثله قال الأوزاعي وأبو ثور؛ إلا أنهما قالا: إن لم ينْو شيئا فهي واحدة.
وسابع عشرها: له نِيّتُه ولا يكون أقل من واحدة؛ قاله ابن شهاب.
وإن لم ينْو شيئا لم يكن شيء؛ قاله ابن العربي.
ورأيت لسعيد بن جُبير وهو:
الثامن عشر: أن عليه عِتْق رقبة وإن لم يجعلها ظِهارا.
ولست أعلم لها وجها ولا يبعد في المقالات عندي.
قلت: قد ذكره الدّارقُطْنيّ في سننه عن ابن عباس فقال: حدّثنا الحسين بن إسماعيل قال حدّثنا محمد بن منصور قال حدّثنا روْح قال: حدّثنا سفيان الثّوْرِي عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه أتاه رجل فقال: إني جعلت امرأتي عليّ حراما.
فقال: كذبت! ليست عليك بحرام؛ ثم تلا {يا أيها النبي لِم تُحرِّمُ مآ أحلّ الله لك} عليك أغلظ الكفارات: عِتْقُ رقبة.
وقد قال جماعة من أهل التفسير: إنه لما نزلت هذه الآية كفّر عن يمينه بعتق رقبة، وعاد صلى الله عليه وسلم إلى مارية؛ قاله زيد بن أسلم وغيره.
الخامسة: قال علماؤنا: سبب الاختلاف في هذا الباب أنه ليس في كتاب الله ولا في سُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم نصٌّ ولا ظاهرٌ صحيحٌ يعتمد عليه في هذه المسألة، فتجاذبها العلماء لذلك.
فمن تمسّك بالبراءة الأصلية فقال: لا حكم، فلا يلزم بها شيء.
وأما من قال إنها يمين؛ فقال: سمّاها الله يمينا.
وأما من قال: تجب فيها كفارة وليست بيمين؛ فبناه على أحد أمرين: أحدهما أنه ظن أن الله تعالى أوجب الكفارة فيها وإن لم تكن يمينا.
والثاني أن معنى اليمين عنده التحريم، فوقعت الكفارة على المعنى.
وأما من قال: إنها طلقة رجعية؛ فإنه حمل اللفظ على أقلّ وجوهه، والرجعية محرِّمة الوطء كذلك؛ فيحمل اللفظ عليه.
وهذا يلزم مالكا، لقوله: إن الرجعية محرِّمة الوطء.
وكذلك وجه من قال: إنها ثلاث، فحمله على أكبر معناه وهو الطلاق الثلاث.
وأما من قال: إنه ظهار، فلأنه أقلّ درجات التحريم، فإنه تحريم لا يرفع النكاح.
وأما من قال: إنه طلقة بائنة، فعوّل على أن الطلاق الرجعيّ لا يحرّم المطلقة، وأن الطلاق البائن يحرّمها.
وأما قول يحيى بن عمر فإنه احتاط بأن جعله طلاقا، فلما ارتجعها احتاط بأن يلزمه الكفّارة.
ابن العربي: وهذا لا يصح، لأنه جمع بين المتضادين، فإنه لا يجتمع ظِهار وطلاق في معنى لفظ واحد، فلا وجه للاحتياط فيما لايصح اجتماعه في الدليل.
وأما من قال: إنه يُنوّى في التي لم يدخل بها، فلأن الواحد تُبينُها وتحرّمها شرعا إجماعا.
وكذلك قال من لم يحكم باعتبار نيته: إن الواحدة لا تكفي قبل الدخول في التحريم بالإجماع، فيكفي أخذا بالأقل المتفق عليه.
وأما من قال: إنه ثلاث فيهما، فلأنه أخذ بالحكم الأعظم، فإنه لو صرح بالثلاث لنفذت في التي لم يدخل بها نفوذها في التي دخل بها.
ومن الواجب أن يكون المعنى مثله وهو التحريم.
والله أعلم.
وهذا كله في الزوجة.
وأما في الأمة فلا يلزم فيها شيء من ذلك، إلا أن ينوي به العتق عند مالك.
وذهب عامة العلماء إلى أن عليه كفارة يمين.
ابن العربي: والصحيح أنها طلقة واحدة، لأنه لو ذكر الطلاق لكان أقلّه وهو الواحدة إلا أن يعدّده.
كذلك إذا ذكر التحريم يكون أقلّه إلا أن يقّيده بالأكثر، مثل أن يقول: أنت عليّ حرام إلا بعد زوج، فهذا نص على المراد.
قلت: أكثر المفسرين على أن الآية نزلت في حفصة لما خلا النبيّ صلى الله عليه وسلم في بيتها بجاريته؛ ذكره الثعلبيّ.
وعلى هذا فكأنه قال: لا يحْرُم عليك ما حرّمته على نفسك ولكن عليك كفارة يمين، وإن كان في تحريم العسل والجارية أيضا.
فكأنه قال: لم يحْرُم عليك ما حرّمته، ولكن ضممت إلى التحريم يمينا فكفّر عن اليمين.
وهذا صحيح، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم حرّم ثم حلف، كما ذكره الدّارقُطْنيّ.
وذكر البخاريّ معناه في قصة العسل عن عبيد بن عُمير «عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عند زينب بنت جحْش عسلا ويمكث عندها، فتواطأتُ أنا وحفصة على أيّتنا دخل عليها فلْتقُلْ: أكلت مغافِير؟ إني لأجد منك رِيح مغافير! قال: لا ولكن شربتُ عسلا ولن أعود له وقد حلفت لا تخبري (بذلك) أحدا. يبتغي مرضات أزواجه».
فيعني بقوله: «ولن أعود له» على جهة التحريم.
وبقوله: «حلفت» أي بالله، بدليل أن الله تعالى أنزل عليه عند ذلك معاتبته على ذلك، وحوالته على كفّارة اليمين بقوله تعالى: {يا أيها النبي لِم تُحرِّمُ مآ أحلّ الله لك} يعني العسل المحرّم بقوله: (لن أعود له).
{تبْتغِي مرْضات أزْواجِك} أي تفعل ذلك طلبا لرضاهن.
{والله غفُورٌ رّحِيمٌ} غفورٌ لما أوجب المعاتبة، رحيمٌ برفع المؤاخذة.
وقد قيل: إن ذلك كان ذنبا من الصغائر.
والصحيح أنه معاتبة على ترك الأولى، وأنّه لم تكن له صغيرة ولا كبيرة.
{قدْ فرض الله لكُمْ تحِلّة أيْمانِكُمْ والله موْلاكُمْ وهُو الْعلِيمُ الْحكِيمُ (2)} فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {قدْ فرض الله لكُمْ تحِلّة أيْمانِكُمْ} تحليل اليمين كفّارتها.
أي إذا أحببتم استباحة المحلوف عليه، وهو قوله تعالى في سورة (المائدة): {فكفّارتُهُ إِطْعامُ عشرةِ مساكِين} [المائدة: 89].
ويتحصل من هذا أن من حرّم شيئا من المأكول والمشروب لم يحْرُم عليه عندنا، لأن الكفارة لليمين لا للتحريم على ما بيّناه.
وأبو حنيفة يراه يمينا في كل شيء، ويعتبر الانتفاع المقصود فيما يحرّمه، فإذا حرّم طعاما فقد حلف على أكله، أو أمة فعلى وطئها، أو زوجة فعلى الإيلاء منها إذا لم يكن له نية، وإن نوى الظِّهار فظهارٌ، وإن نوى الطلاق فطلاق بائن. وكذلك إن نوى ثنتين أو ثلاثا.
وإن قال: نويت الكذب دِين فيما بينه وبين الله تعالى.
ولا يدين في القضاء بإبطال الإيلاء.
وإن قال: كل حلال عليه حرام؛ فعلى الطعام والشراب إذا لم ينْو، وإلا فعلى ما نوى.
ولا يراه الشافعي يمينا ولكن سببا في الكفارة في النساء وحدهن.
وإن نوى الطلاق فهو رجعي عنده، على ما تقدم بيانه.
فإن حلف ألا يأكله حنِث ويبرّ بالكفارة.
الثانية: فإن حرّم أمته أو زوجته فكفّارة يمين، كما في صحيح مسلم عن ابن عباس قال: إذا حرّم الرجل عليه امرأته، فهي يمين يكفّرها.
وقال: لقد كان لكم في رسول الله أُسْوةٌ حسنةٌ.
الثالثة: قيل: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم كفّر عن يمينه.
وعن الحسن: لم يكفّر، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد غُفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، وكفارة اليمين في هذه السورة إنما أمر بها الأمّة.
والأوّل أصح، وأن المراد بذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ثم إن الأمّة تقتدي به في ذلك.
وقد قدّمنا عن زيد بن أسلم أنه عليه السلام كفّر بعتق رقبة.
وعن مقاتل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق رقبة في تحريم مارية.
والله أعلم.
وقيل: أي قد فرض الله لكم تحليل مِلْك اليمين، فبيّن في قوله تعالى: {مّا كان على النبي مِنْ حرجٍ فِيما فرض الله لهُ} [الأحزاب: 38] أي فيما شرعه له في النساء المحللات.
أي حلل لكم مِلك الأيمان، فلِم تُحرّم مارية على نفسك مع تحليل الله إياها لك.
وقيل: تحِلّة اليمين الاستثناء، أي فرض الله لكم الاستثناء المخرج عن اليمين.
ثم عند قوم يجوز الاستثناء من الأيمان متى شاء وإن تحلل مدّة.
وعند المُعْظم لا يجوز إلا متصلا، فكأنه قال: استثن بعد هذا فيما تحلف عليه.
وتحِلة اليمين تحليلُها بالكفارة، والأصل تحللة، فأدغمت.
وتفعلة من مصادر فعّل؛ كالتّسمية والتّوصية.
فالتّحِلّة تحليل اليمين.
فكأن اليمين عقْد والكفّارة حلّ.
وقيل: التّحِلّة الكفارة؛ أي إنها تُحِل للحالف ما حرّم على نفسه؛ أي إذا كفّر صار كمن لم يحلف.
{والله موْلاكُمْ} ولِيّكم وناصركم بإزالة الحظر فيما تحرّمونه على أنفسكم، وبالترخيص لكم في تحليل أيمانكم بالكفارة، وبالثواب على ما تخرجونه في الكفارة.
قوله تعالى: {وإِذ أسرّ النبي إلى بعْضِ أزْواجِهِ حديثا} أي واذكر إذ أسرّ النبيّ إلى حفصة {حديثا} يعني تحريم مارية على نفسه واستكتامه إياها ذلك.
وقال الكلبيّ: أسرّ إليها أن أباك وأبا عائشة يكونان خليفتيّ على أمّتي من بعدي؛ وقاله ابن عباس.
قال: أسرّ أمر الخلافة بعده إلى حفصة فذكرته حفصة.
روى الدّارقُطْنيّ في سننه عن الكلْبي عن أبي صالح: عن ابن عباس في قوله تعالى: {وإِذ أسرّ النبي إلى بعْضِ أزْواجِهِ حديثا} قال: اطلعت حفصة على النبيّ صلى الله عليه وسلم مع أم إبراهيم فقال: «لا تخبري عائشة» وقال لها «إن أباك وأباها سيملكان أو سيلِيان بعدي فلا تخبري عائشة» قال: فانطلقت حفصة فأخبرت عائشة فأظهره الله عليه، فعرّف بعضه وأعرض عن بعض.
قال أعرض عن قوله: «إن أباكِ وأباها يكونان بعدي» كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينشر ذلك في الناس.
{فلمّا نبّأتْ بِهِ} أي أخبرت به عائشة لمصافاة كانت بينهما، وكانتا متظاهرتين على نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم.
{وأظْهرهُ الله عليْهِ} أي أطلعه الله على أنها قد نبّأت به.
وقرأ طلحة بن مُصرِّف {فلما أنبأت} وهما لغتان: أنبأ ونبّأ.
ومعنى {عرّف بعْضهُ وأعْرض عنْ بعْضٍ} عرّف حفصة بعض ما أوحي إليه من أنها أخبرت عائشة بما نهاها عن أن تخبرها، وأعرض عن بعض تكرُّما؛ قاله السُّدّي.
وقال الحسن: ما استقصى كريمٌ قطّ؛ قال الله تعالى: {عرّف بعْضهُ وأعْرض عن بعْضٍ}.
وقال مقاتل: يعني أخبرها ببعض ما قالت لعائشة، وهو حديث أم ولده ولم يخبرها ببعض وهو قول حفصة لعائشة: إن أبا بكر وعمر سيملكان بعده.
وقراءة العامة {عليْهِ} مشدّدا، ومعناه ما ذكرناه.
واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، يدل عليه قوله تعالى: {وأعْرض عن بعْضٍ} أي لم يعرّفها إياه.
ولو كانت مخففة لقال في ضدّه وأنكر بعضا.
وقرأ عليّ وطلحة بن مُصرِّف وأبو عبد الرحمن السُّلمِي والحسن وقتادة والكلبي والكسائي والأعمش عن أبي بكر {عرف} مخففة.
قال عطاء: كان أبو عبد الرحمن السُّلمي إذا قرأ عليه الرجل {عرف} مشدّدة حصبه بالحجارة.
قال الفرّاء: وتأويل قوله عز وجل: {عرف بعْضهُ} بالتخفيف، أي غضب فيه وجازى عليه؛ وهو كقولك لمن أساء اليك: لاعرفنّ لك ما فعلت، أي لأجازِينّك عليه.
وجازاها النبيّ صلى الله عليه وسلم بأن طلّقها طلقة واحدة.
فقال عمر: لو كان في آل الخطاب خير لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقك.
فأمره جبريل بمراجعتها وشفع فيها.
واعتزل النبيّ صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا، وقعد في مشربة مارية أمّ إبراهيم حتى نزلت آية التحريم على ما تقدم.
وقيل: همّ بطلاقها حتى قال له جبريل: «لاتطلّقها فإنها صوّامة قوّامة وإنها من نسائك في الجنة» فلم يطلّقها.
{فلمّا نبّأها بِهِ} أي أخبر حفصة بما أظهره الله عليه.
{قالتْ منْ أنبأك هذا} يا رسول الله عني.
فظنّت أن عائشة أخبرته، فقال عليه السلام: {نبّأنِي العليم الخبير} أي الذي لا يخفى عليه شيء.
و{هذا} سدّ مسدّ مفعولي (أنْبأ).
و(نبّأ) الأول تعدى إلى مفعول، و(نبّأ) الثاني تعدّى إلى مفعول واحد، لأن نبّأ وأنبأ إذا لم يدخلا على المبتدأ والخبر جاز أن يكتفي فيهما بمفعول واحد وبمفعولين، فإذا دخلا على الابتداء والخبر تعدّى كلّ واحد منهما إلى ثلاثة مفعولين.
ولم يجز الاقتصار على الاثنين دون الثالث، لأن الثالث هو خبر المبتدأ في الأصل فلا يقتصر دونه، كما لا يقتصر على المبتدأ دون الخبر. اهـ.